رواية ميراث القلوب بقلم الكاتبة نرمين عادل همام حصري لموقع ايام
المحتويات
بحزم
محسن راجل كويس بس يستاهل واحدة زيك أنا مش في بالي جواز دلوقتي وعمتي عنايات مهما حاولت مش هتقدر تفرض علي حاجة إحنا اللي بنختار حياتنا مش حد تاني
بقلمي نرمين عادل همام
في بيت عنايات بعد نصف ساعة من انتهاء الحديث
كانت الغرفة يغمرها هدوء نسبي مع ضوء خاڤت ينبعث من المصباح المعلق على الحائط المتشقق جلس محسن مع والده بينما كانت عنايات مستلقية على السرير في الغرفة المجاورة توهمهما أنها نائمة لكن أذنيها كانت مفتوحتين لكل كلمة تقال
يابا اللي قلته لك ده حصل والله العظيم ما كنت أعرف إيه اللي جرالي وقتها أنا عمري ما بصيت على بنت من شباك ولا تجسست على حد أيوه زمان كنت بعاكس البنات لكن دي كانت فترة وعدت وما عملتش حاجة غلط مع حد
أبو محسن وهو يتكئ على الكرسي الخشبي بجواره
طب حكي لي يا ابني من الأول اهي أمك نامت قبل ما تصحى وتعمل لنا فيلم إيه اللي سمعته
حكيت لك على كل حاجة يابا ما سمعتش غير كلمتين أو تلاتة وبعدها قامت علا وقفلت الشباك بس الكلمتين دول خلوني أتحول قلبي كان بينط لوحده فكرت في نفسي هو أنا أقدر أتجوزها أنا مين عشان أحبها حتى لكن ولاء ولاء دي حاجة تانية هي أجمل بنت في البلد الوحيدة اللي ما فكرتش فيها قبل كده اللي زيها الجمال ده كله يتقل بالذهب
والله يا ابني اللي بتقوله غريب أيوه البنت جميلة ودي حاجة محدش يقدر ينكرها أجمل بنت في البلد من غير كلام لكن إنها تبص لك أنت يبقى نظرها ضعيف بس الحب أعمى وطالما بتقول إنها بتحبك يبقى خلاص هنجوزها لك
محسن يرفع حاجبيه بدهشة
وأنت يابا كنت تعرف إن خالتي جمالات كانت قالت لأمي من سنة إنها تجوزني لولاء وأمي صوتت فيها
عارف يا ابني يومها أمك فضلت تغلي وتقول لي شحاتة عايزة تجوز ابني مع إنهم ناس طيبين وأبوها راجل غلبان لكن كريم
محسن يضحك بخفة
تخيل يابا خالتي جمالات كانت بتقول علي إن أنا أحسن أسطى خراط في البلد
أبو محسن بابتسامة فخر
وعندها نظر دي الحقيقة إنت فعلا أحسن خراط في البلد يا ابني المشكلة بس إن أمك مش عاجبها شغلتك دي بتشوفها حاجة ما تستاهلش مع إن دماغك فيها من أحسن الحرفيين اللي ممكن تلاقيهم في أي مكان لكن ربنا يهديها
مش فاهمها يا يابا هي عايزة إيه بالضبط حتى علا حبها كان أمر بالنسبالي أمي قالت لي حب علا فحبيتها لكن ولاء ولاء حاجة تانية خالص دي زي نجمة في السماء مستحيل توصلها
عنايات بصوت مفاجئ من الغرفة الأخرى
إيه فاكريني نايمة ده أنا مغمضة عيني بس سامعاكم! مين النجمة في السما دي يا واد ولاء! أما أروح أقطع لها شعرها قال تتجوزها قال!
اقعدي كده وركزي يا عنايات بنت أختك ولاء أحسن بنت في البلد جمال أخلاق ومعاها دبلوم وأختك عندها حتة أرض فاضلة يعني الموضوع فيه مصلحة كمان ليكي
عنايات پغضب وتكبر
مصلحة إيه! إنت بتقارن فلوس عبد الوهاب بفلوس جمالات دي جمالات مش معاها اللي عندي أنا فلوسي أكتر وأنا أحق بيهم
أبو محسن بسخرية مريرة
طالما معترفة إن معاكي فلوس ليه عمري ما شفت مليم من ورثك أو من أي حاجة كلها معاكي وما أعرفش ليه بتعملي كده الناس بټموت فجأة وما معاهاش مليم الكفن من غير جيوب يا وليه
عنايات وهي تشير بيدها بعصبية
ما تغظنيش أنا عارفة إنت عايز توصل لإيه البنت دي مش هتدخل بيتي وأنا اللي هقرر مين اللي يستاهل ابني
لكن برغم كلماتها الغاضبة كانت هناك نظرة خوف في عينيها خشيت أن يقلب كل ما خططت له ضدها
في المدافن بعد صلاة الظهر
كانت الشمس في كبد السماء تنثر أشعتها الحاړقة على وجوه الحاضرين الموكب الجنائزي قد انتهى وألقيت آخر حفنة تراب على القپر النساء تجمعن في زاوية تحت شجرة قديمة يتبادلن الأحاديث وعيونهن تراقب المدافن بتوجس
عنايات وهي تمسح جبينها بمنديل قديم
الله يرحمه الحاج هريدي كان راجل طيب وعارف ربنا لكن يا اختي ما تعرفيش ليه النعش ما دخلش الجامع
سيدة مسنة ترد بخفوت وكأنها تخشى أن يسمعها أحد
الناس بتقول إنه كان بخيل وما كانش سايب حد في حاله قدامنا كان كويس لكن مع ولاده وعيلته كان غير كده
عنايات تستغرب وتلمح شيئا من القلق في نبرة صوتها
يا ساتر يا رب يعني إيه وحش كان بيضربهم ولا إيه
سيدة أخرى بصوت مشحون بالاستياء
لا يا حاجه عنايات ما كانش بيضربهم لكن بخيل عليهم وكان كمان بيسلف الناس بالفايز يعني بالربا وكمان واكل حقوق ناس كتير أنا مستغربة إزاي انتي مش عارفة كل ده!
عنايات تحاول الدفاع عن الفقيد لكن صوتها بدا مترددا
أنا كنت عارفة إنه بيفك أزمات ناس كتير
السيدة الأولى ترد بسخرية مريرة
بيفك أزمة إيه لما يستلف منك ألف جنيه ويرجع يطالبك بألف ونص ده بيسد أزمة ولا بيعقدها أكتر ده إللي كان بيعمله بالظبط ده مش عدل ربنا دلوقتي مين بقى اللي هيسد أزمته في القپر
عنايات تنظر حولها بتوتر وتهمس
يعني إيه مش فاهمة كلامك ده
أم علا تقاطع الحديث بحدة وقد بدا على ملامحها الڠضب
يعني يا عنايات يا أختي كل الفلوس اللي كان بيكوشها الحاج هريدي أكيد عياله هيضيعوها لأنها فلوس حرام الفايز ده ربا وربنا محرمه غير كده بعد ما كان بخيل على عيلته وما حدش فيهم طايقه تتوقعي مين يترحم عليه ده حتى الناس كارهينه!
عنايات بصوت أقرب للهمس وقد تملكها الخۏف
بس أنا اللي شفته غريب النعش رفض يدخل الجامع
أم علا وهي تهز رأسها بثقة
لو الكلام ده صحيح يبقى ربنا كان بيقول لنا حاجة النعش ما دخلش الجامع لأنه كان إشارة شغله كان كله حرام في حرام وده تحذير للناس كلها اللي لسه عايشة
عنايات تحاول البحث عن مخرج للحوار
بس ده عمره ما ضړب حد ولا قتل كان كلامه حلو مع الناس
أم علا ترد بحزم
هو انت مش واخده بالك الستات بيقولوا إنه كان بياخد حقوق الناس ويحطها في بطنه ده كله ما شفعش له دلوقتي شوفنا آخرته متر في متر ولا فلوسه هتشفع له ولا الناس هترحمه هي دي الدنيا كل واحد بياخد آخرته على اللي عمله
ساد الصمت للحظات وبدأت الهمسات تخفت لكن عنايات لم تستطع إخفاء رعشة يدها الكلمات كانت كأنها صڤعة تذكير قاس بأن ما يجمعه الإنسان في الدنيا قد يتحول إلى ثقل على روحه في الآخرة
في بيت عنايات بعد العزاء
كانت الشمس قد بدأت بالغروب ونور المصابيح الضعيف يغمر الغرفة جلس أبو محسن على كرسي قديم يتأمل زوجته التي لم تتوقف عن التململ منذ عودتها من المدافن
متابعة القراءة